أخبار العالم

العلاج بالتعاويذ عبر العصور – تَمْتَمَة كلمات بحثا عن الشفاء – DW – 2025/12/27

قبل وقت طويل من ظهور  المضادات الحيوية والتخدير والأشعة السينية التي غيرت الطب، كان المعالجون في جميع أنحاء العالم يحاولون شفاء الأمراض بتدرديد تعاويذ وعبارات “سحرية” مثل “اختفي أيتها الدودة، لا تشربي الدم بعد الآن!”، التي كانت تقال في بلاد الرافدين. 

في العصور الوسطى كانت التعويذات تستخدم لمخاطبة شياطين المرض أو أجزاء الجسم مباشرة مثل أرواح الطاعون أو “الضفدع المتجول” في حالات آلام البطن أو الرغبة في الإنجاب. كان الهدف من هذا التخصيص هو شتم سبب المرض المفترض وتهديده ودفعه إلى الانسحاب.

في العديد من مناطق آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا لا تزال تعويذات السحر تستخدم حتى اليوم في الطب الشعبي أو في الطقوس الدينية، غالبا مع الأعشاب والتدليك وغيرها من العلاجات.

مواجهة الشياطين بالسحر والوسائل المنزلية

أحد أقدم الأمثلة على ذلك يأتي من بلاد الرافدين في وصفة تعود إلى حوالي 1800 قبل الميلاد، حيث تصف “دودة الأسنان” كيف أنها تريد أن تعيش بين الأسنان واللثة وأن تشرب الدم، قبل أن يتدخل إله الحكمة إنكي (يعرف أيضا بإيا وإئا) ويضربها بـ”يد قوية”.  وللعلاج  كان يتم تلاوة التعويذة أعلاه عدة مرات ودهن السن بمزيج طبي. في ذلك المعتقد كانت الدودة تعتبر شيطانا ونموذجا للمرض في آن واحد، فهي تفسر تسوس الأسنان والألم والوصفة تطردها بينما يخفف الدهانُ الالتهابَ. 

إكوادور لاغو أغريو 2013 ، شامان في لاغو أغريو في أمريكا الجنوبية
إكوادور لاغو أغريو 2013 ، شامان في لاغو أغريو في أمريكا الجنوبيةصورة من: Robert Seitz/imageBROKER/picture alliance

“كانت التعويذات تستخدم في المقام الأول لعلاج أمراض معينة وليس لكل شيء على حد سواء، إذ نجدها تستخدم بكثرة مثلا في حالات النزيف والصرع وآلام الأسنان والولادة”، تشرح المؤرخة كاثرين رايدر من جامعة إكستر.

وكان هناك جدل حاد حول الحد الفاصل بين الصلوات والسحر. في كتابها “السحر والدين في إنجلترا في العصور الوسطى” تصف رايدر كيف كان اللاهوتيون والكهنة والأطباء يتناقشون باستمرار حول ما إذا كانت عبارات وصيغ معينة ما زالت تعتبر صلوات ورِِعَة أم سحرا محظورا. وكانت كلمات التشافي التي تحتوي على اقتباسات من الكتاب المقدس أو أسماء القديسين تُقبل في الغالب، بينما كانت الصيغ والعبارات الغامضة تُصنف بسرعة على أنها قد تكون شيطانية.

علاج للروح والجسد 

من المهم أن نلاحظ أن التعويذات كانت تستخدم بشكل أساسي كـ”علاج تكميلي”، كما كتبت رايدر إلى DW. “في كتب الطب في العصور الوسطى غالبا ما كانت ترد جنبا إلى جنب مع  علاجات أخرى مثل المشروبات والحمامات وما إلى ذلك، بحيث يمكن للطبيب والمريض اختيار النهج الذي يريد اتباعه”.

 لم تكن المعرفة المتخصصة بالأعراض والمواد الفعالة تتعارض مع تعاويذ السحر، بل كانت ترتبط بها في حزمة شاملة تهدف إلى معالجة الجسد والروح في آن واحد، حسبما كتبت رايدر.

جمهورية الكونغو الديمقراطية نكلالا 2014 ، طقوس شفاء مع رقصة شفاء لامرأة مريضة
جمهورية الكونغو الديمقراطية نكلالا 2014 ، طقوس شفاء مع رقصة شفاء لامرأة مريضةصورة من: Fabian von Poser/imageBROKER/picture alliance

ارتداء التمائم والتعاويذ من أجل التداوي 

يتبع الطب القديم الشرقي أيضا المبدأ المزدوج: يتلو المعالجون تعاويذ لطرد الأرواح الشريرة، وفي نفس الوقت تستخدم أيضا الدهانات والبخور والمشروبات، والتمائم على شكل عيون أو التي تحمل مشاهد مرضية أو تعاويذ علاجية يتم ارتداؤها بهدف ربط  البركة الشافية بالجسد بشكل دائم.

في التقاليد الإسلامية تُعتبر بعض آيات القرآن مثل سورة الفاتحة أو المعوذتين ذات خصائص علاجية وتُتلى على المرضى أو تُكتب على الورق أو تقرأ على الماء، ثم يشربه المريض.

مصطلح “هوكوسبوكس”، الذي يظهر غالبا في سياق الطرق العلاجية البديلة هو محاكاة صوتية لصيغة باللاتينية تقال في القدّاس “Hoc est enim corpus meum” (هذا هو جسدي). ويُقصد من مصطلح “هوكوسبوكس” دلالة سلبية وازدراء، لأن أسال العلاج بالطب البديل والوخز بالإبر والشامانية (السحر والشعوذة)، غالبا ما تعتبرها الأطباء غير فعالة أو غامضة.

التأثير العلاجي للكلمات

يمكن للكلمات المتكررة التي تُلقى بثقة – من كاهن أو معالج روحاني أو طبيب – أن تقلل من القلق، وتخفف الألم بشكل شخصي، وتعزز الرغبة في تحمل العلاجات المجهدة.

كاثرين رايدر مقتنعة بأن التعاويذ كانت بمثابة نوع من الدعم الإيحائي أو النفسي للمرضى، أي نوعاً من تأثير “البلاسيبو” (الدواء الوهمي)، وتقول إن “معظم الأطباء في العصور الوسطى لا يشرحونها بهذه المصطلحات، ولكن هناك رسالة للطبيب العربي قسطا بن لوقا من القرن التاسع الميلادي، يتحدث فيها عن أن التعويذات تساعد أيضا إذا كان المريض يؤمن بفعاليتها”. ووفقا لرايدر فإن العالم أوضح بذلك مفهوم التأثير الوهمي في وقت مبكر يعود لعام 860 بعد الميلاد.

ألمانيا ميرسبورغ 2020 ، تعاويذ ميرسبورغ الأصلية في أرشيف الكاتدرائية
ألمانيا ميرسبورغ 2020 ، تعاويذ ميرسبورغ الأصلية في أرشيف الكاتدرائيةصورة من: Hendrik Schmidt/dpa/picture alliance

“البلاسيبو” المقدس: كيف تهزم الكلمات الأمراض

في بعض الثقافات تعتبر الأمراض هجوما من الأرواح أو الآلهة الغاضبة. وتجعل التعويذات من هذه الأمراض قصة مفهومة. ومن يعتقد أنه يعرف الشيطان المسؤول عن المرض يمكنه تحمل الألم والعلاج المؤلم بشكل أفضل.

من وجهة النظر الحالية يتم علاج الحمى وتسوس الأسنان والاكتئاب  بالأدوية والعمليات الجراحية والعلاج النفسي. لكن تاريخ التعويذات يظهر مدى قوة الكلمات في الأزمات، فهي تجعل ما هو غير مرئي وغير مفهوم أكثر قابلية للفهم.

“قم، إيمانك قد خلصك”، هكذا قال يسوع، حسبما ورد في العهد الجديد إلى مجذوم شُفي. ربما لا تكمن “المعجزة” الحقيقية لهذه التعويذات في طرد الشياطين المزعوم، بل في إدراك أن الشفاء يحتاج دائما إلى قناعة يمكن الإيمان بها.

أعده للعربية: م.أ.م

 


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى