لم يكن عام 2025 من منظور حقوق الإنسان عامًا مثاليا: فقد كان المدنيون عرضة لخطر شديد في مناطق الحروب والنزاعات حول العالم، ولكن حتى في المناطق الأكثر سلمًا كانت حرياتهم مهددة في أماكن كثيرة. ومثلًا لقد تعرض في صربيا وتنزانيا ونيبال المتظاهرون المناهضون للحكومات هناك للملاحقة والاضطهاد والحرمان من المعلومات. وفي الولايات المتحدة الأمريكية تم إيقاف إجراءات المساواة لأسباب سياسية. وفي تركياتم عزل واعتقال العديد من السياسيين المنتخبين ديمقراطيًا؛ وفي المجر وكازاخستان تم تقليص حقوق الأقليات الجنسية.
ومع ذلك لقد حدثت أيضًا تطورات إيجابية. نعرض منها هنا خمسة أمثلة بشكل مفصّل.
إيطاليا: قتل النساء كجريمة جنائية
شهدت إيطاليا في عام 2024 بحسب معلومات مكتب الإحصاء الوطني الإيطالي (Istat) مقتل 106 امرأة لمجرد أنَّهن نساء – ومعظمهن قتلن على يد شركائهن أو شركائهن السابقين أو أقارب آخرين. ولكن رفضت قطاعات واسعة من المجتمع الإيطالي وممثلوه السياسيون المنتخبون القبول هذا الواقع لفترة طويلة. فعلى سبيل المثال تم تخصيص أموال أكثر لملاجئ النساء وغيرها من مرافق الحماية، وتم الترويج لخط ساخن هاتفي وإطلاق حملات توعية.
وفي 25 تشرين الثاني/نوفمبر، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، أقر البرلمان الإيطالي قانونًا يعتبر قتل النساء جريمة جنائية مستقلة يعاقب عليها بالسجن المؤبد. وكذلك تم تشديد العقوبات على جرائم أخرى متعلقة بالجنس الاجتماعي، مثل الملاحقة وما يعرف باسم “الانتقام الإباحي”، وذلك من أجل حماية النساء بشكل أفضل في المستقبل.
تايلاند: الزواج للجميع
“أظهرت تايلاند أنَّ المساواة ليست مجرد شعار”، كما ورد في مدونة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وذلك لأنَّ تايلاند أصبحت في كانون الثاني/يناير 2025 أول دولة في جنوب شرق آسيا تسمح بزواج المثليين. ومباشرة في 23 كانون الثاني/يناير، تم عقد أكثر من 1800 زواج بموجب القانون الجديد.
وبحسب إحصاء أجراه مركز بيو للأبحاث، توجد قوانين مماثلة في نحو 40 دولة حول العالم. وإلى جانب تايلاند أقرت في عام 2025 إمارة ليشتنشتاين الصغيرة الواقعة في جبال الألب قانون الزواج للجميع، وقد دخل هذا القانون حيز التنفيذ في بداية العام.
كولومبيا وبوليفيا ودول أخرى: حظر تام لزواج القاصرات
بيد أنَّ الفتيات الصغيرات مهددات في معظم دول العالم بخطر آخر أيضًا: فبحسب بيانات منظمة “فتيات لا زوجات” غير الحكومية يتم كل عام تزويج 12 مليون فتاة تقل أعمارهن عن 18 عامًا. وكثيرًا ما تتعرض الفتيات نتيجة ذلك لضغط من أجل تركهن التعليم المدرسي وإنجاب الأطفال في سن مبكرة. وبحسب بيانات منظمة اليونسكو فقد كانت 54 بالمائة من دول العالم ما تزال تسمح حتى شباط/فبراير 2025 بزواج الأطفال دون سن 18 عامًا في حال استيفاء شروط معينة، مثل موافقة الوالدين والقضاء.
وهذا الإحصاء لم يعد يشمل كولومبيا، التي سدت في الشهر نفسه الثغرات التي كانت موجودة في القانون. وكذلك في بوليفيا الواقعة إلى الجنوب قليلًا، تم في أيلول/سبتمبر فرض حظر تامٌ على زواج الأطفال. وبحسب بيانات منظمة “أنقذوا الأطفال” غير الحكومية فقد تم قبل ذلك إجبار 22 بالمائة من الفتيات دون سن 18 عامًا على الزواج. وكذلك ينص القانون البوليفي على فرض عقوبات على زواج الأطفال: وبموجب ذلك أصبح الآن موظفو السجل المدني وكذلك الأزواج البالغون مهددين بالسجن.
كذلك سدت البرتغال والكويت وغرينادا ثغرات قانونية تتعلق بزواج القصر. وحدّدت بوركينا فاسو الحد الأدنى للزواج بشكل عام عند سن 18 عامًا، ولكن لا يزال من غير الواضح بحسب منظمة “فتيات لا زوجات” غير الحكومية إن كانت الاستثناءات القضائية ممكنة.
مالاوي وفيتنام واليابان: إلغاء الرسوم المدرسية
في حالات كثيرة ما تزال توجد مخاطر أخرى تهدد تعليم الأجيال القادمة: مثلًا تعتبر مالاوي الواقعة في جنوب شرق أفريقيا من أفقر دول العالم، وغالبًا ما تحدد هناك القيود الاقتصادية مدة ذهاب الأطفال إلى المدرسة. وفي مالاوي تعتبر المرحلة الابتدائية فقط إلزامية ومجانية وتمتد لثمانية أعوام.
ولهذا السبب أعلنت حكومة مالاوي في كانون الأول/ديسمبر عن إصلاح شامل: اعتبارًا من بداية عام 2026 ستلغى الرسوم المدرسية للمدارس الثانوية وستتم تغطية تكاليف الامتحانات النهائية من قبل الدولة. وعلى الرغم من أن العائلات ستظل مجبرة على دفع تكاليف المواد الدراسية والزي المدرسي، ولكن هذا القرار لاقى على العموم ترحيبًا من المراقبين السياسيين.
وفي فيتنام دخل قرار مماثل حيز التنفيذ منذ أيلول/سبتمبر 2025: فقد أصبحت الآن الرسوم الدراسية للمدارس الحكومية شيئًا من الماضي في فيتنام الواقعة في جنوب شرق آسيا. وقبل ذلك كانت بعض المدارس الثانوية والإعدادية والتحضيرية ما تزال برسوم إلزامية.
وكذلك في اليابان الأكثر ثراءً، تم في عام 2025 إلغاء جميع الرسوم المدرسية للمدارس الثانوية. وحتى ذلك كانت العائلات الثرية على الأقل ملزمة بدفع الرسوم المدرسية لأطفالها.
باكستان: لجنة وطنية لحقوق الأقليات
يعتبر الإسلام دين الدولة الرسمي في باكستان، حيث لا يشكل المسيحيون والهندوس والسيخ وغيرهم من الطوائف الأخرى معًا سوى نسبة قليلة من السكان. وفي عام 2014 اعترضت المحكمة العليا في باكستان على الحماية غير الكفاية للأقليات الدينية وطالبت بتشكيل لجنة مستقلة. ومع ذلك فقد فشل التنفيذ الفعلي طيلة سنين بسبب المعارضة والنزاعات.
وفقط في بداية كانون الأول/ديسمبر أقرّ البرلمان الباكستاني قانونًا لتشكيل اللجنة الوطنية لحقوق الأقليات، ثم صادق عليه رئيس البلاد. وقد نقلت صحيفة “دون” الباكستانية عن وزير العدل الباكستاني عزام نذير طرار أنَّ “هذه اللجنة لغير المسلمين. إخواننا الهندوس والمسيحيون والبارسيون هم باكستانيون جيدون مثلنا”.
وما يزال يجب تعيين أعضاء اللجنة التي يبلغ عددهم نحو ثمانية عشر عضوًا. واللجنة مكلفة بتمثيل الأقليات في الإجراءات التشريعية والعمليات السياسية الأخرى. وعلى الأرجح أن يتّضح العام القادم مدى تأثيرها على التعايش في باكستان.
أعده للعربية: رائد الباش (ع.ج.م)
Source link
