
في تحول ميداني وصفه مراقبون بأنه الأخطر منذ اندلاع الحرب السودانية، سقطت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في قبضة قوات الدعم السريع بعد حصار استمر قرابة عامين، ما يفتح الباب أمام اختراقات استراتيجية محتملة قد تعيد رسم خارطة السيطرة العسكرية والسياسية في البلاد، وسط تحليلات متباينة حول تداعيات هذا السقوط على مستقبل السودان.
سقوط مفصلي
لم يكن سقوط مدينة الفاشر مجرد تطور عسكري في سياق الحرب السودانية المستمرة، بل مثّل نقطة تحول استراتيجية كشفت عن هشاشة الوضع الميداني للجيش السوداني، وعمق الأزمة الإنسانية والسياسية التي تعصف بالبلاد. فبعد حصار خانق دام نحو عامين، انتهى المشهد بكارثة إنسانية مروعة، وسط تقارير عن فظائع ارتُكبت بحق المدنيين، وتدمير ممنهج للبنية التحتية. هذا السقوط المدوّي أثار تساؤلات مقلقة حول أداء القيادة العسكرية، وفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تعقيدًا بشأن مستقبل البلاد ووحدة أراضيها.
انتقادات داخلية
في حلقة خاصة من برنامج “السودان الآن” على قناة DW الألمانية، عبّر رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، عثمان ميرغني، عن صدمته من أداء الجيش، مشيرًا إلى أن الانسحاب المفاجئ من الفاشر أدى إلى فوضى عارمة، وترك المدنيين لمصيرهم. وأكد أن الفظائع التي ارتُكبت فاقت ما تم تداوله إعلاميًا، مستشهدًا بتقارير الأقمار الصناعية التي رصدت بقع دماء واسعة في المدينة. كما أشار إلى وجود تشكيك واسع في قيادة الجيش، متهمًا إياها بالسعي إلى تسوية مع قوات الدعم السريع على حساب مناطق أخرى، ما أدى إلى تصدع واضح في الجبهة الموالية للجيش.
قراءة استراتيجية
من جانبه، قدّم عادل عبد العاطي، رئيس حملة السودان للمستقبل، قراءة استراتيجية لسقوط الفاشر، معتبرًا أنها تمثل نقطة ارتكاز عسكرية وسياسية نظرًا لموقعها الحيوي المطل على إقليم كردفان والشمال. وأكد أن هذا السقوط يُعد انهزامًا واضحًا للجيش والقوات المشتركة، متوقعًا أن تتجه قوات الدعم السريع نحو مناطق غرب وشمال دارفور، تمهيدًا للسيطرة على مدينة الأبيض، عاصمة شمال كردفان، ومنها إلى ولاية النيل الأبيض. وحذر عبد العاطي من أن هذا التقدم العسكري قد يُحدث تحولًا جذريًا في موازين القوى، ويمنح قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” أفضلية تفاوضية في أي تسوية محتملة.
كارثة إنسانية
الصحفي المتخصص في الشؤون الأفريقية، عيسى دفع الله عيسى، ركّز في مداخلته على البعد الإنساني والجنائي، واصفًا ما حدث في الفاشر بأنه جرائم بشعة ارتكبتها قوات الدعم السريع وحلفاؤها، محمّلًا إياهم المسؤولية الكاملة عن الكارثة الإنسانية. وأشار إلى أن المدنيين، من أطفال ونساء وشيوخ، أصبحوا ضحايا لآلة الجنجويد الإرهابية، في إشارة إلى قوات الدعم السريع. كما انتقد قيادة الجيش، مؤكدًا أن الاستهتار وعدم الشفافية الذي تمارسه القيادة العسكرية، وعلى رأسها رئيس مجلس السيادة، أدى إلى تفكك الجبهة الداخلية، ما سمح لقوات الدعم السريع باستغلال الوضع للضغط من أجل فرض شروطها على طاولة المفاوضات.
رد رسمي
في أول تعليق له على سقوط الفاشر، قال رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إن الشعب السوداني والقوات المسلحة سينتصران، مشيرًا إلى أن قرار مغادرة المدينة جاء نتيجة لما تعرضت له من تدمير ممنهج. هذا التصريح الرسمي لم يبدد الشكوك المتزايدة حول أداء القيادة العسكرية، بل زاد من حدة الجدل بشأن استراتيجية الجيش في إدارة الحرب، خاصة في ظل تكرار الانسحابات من مواقع استراتيجية دون مقاومة تُذكر، ما يثير مخاوف من انهيارات محتملة في مناطق أخرى.
مستقبل غامض
في ظل هذه التحليلات المتشائمة، يواجه السودان منعطفًا خطيرًا قد يحدد مصيره لعقود قادمة. فسقوط الفاشر لم يضعف موقف الجيش ميدانيًا فحسب، بل هزّ الثقة في قيادته، وفتح الطريق أمام تمدد عسكري لقوات الدعم السريع قد يؤدي إلى تقسيم البلاد فعليًا، كما حذّر بعض الخبراء. وبينما يعيش المدنيون تحت وطأة حرب لا ترحم، وقيادة عسكرية مثيرة للجدل، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون الفاشر بداية لسلسلة من الانهيارات، أم أنها ستشكل صدمة كافية لإعادة صياغة استراتيجية الحرب قبل فوات الأوان؟
Source link


