
بدأت اللجنة السياسية التي شكّلها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، سلسلة من اللقاءات مع القوى السياسية المتحالفة مع المؤسسة العسكرية، في خطوة تهدف إلى إطلاق عملية سياسية جديدة لإعادة صياغة المشهد الوطني على أسس توافقية. هذه المبادرة تأتي في ظل تعقيدات المشهد السوداني بعد أشهر من النزاع المسلح، وتسعى إلى بناء أرضية مشتركة بين الأطراف الفاعلة تمهيدًا لمرحلة انتقالية جديدة. اللقاءات التي تقودها اللجنة تُعد جزءًا من تحرك منظم لإعادة ترتيب الأولويات السياسية، وسط دعوات متزايدة لإيجاد مخرج تفاوضي يوقف التصعيد العسكري ويعيد البلاد إلى مسار الاستقرار.
خارطة الحوار
بحسب مصادر مطلعة تحدثت إلى مجلة”أفق جديد”، فإن هذه الخطوة تندرج ضمن خطة أوسع تتبنى حوارًا تدريجيًا يبدأ بالقوى السياسية القريبة من الجيش، على أن يتوسع لاحقًا ليشمل تحالف “صمود” الذي يُنظر إليه كطرف مدني محايد، قبل أن يصل إلى القوى المرتبطة بقوات الدعم السريع والممثلة في تحالف “تأسيس”. هذا التدرج في إشراك الأطراف يعكس محاولة لتفكيك التعقيدات السياسية عبر مراحل، تبدأ من بناء الثقة مع الحلفاء التقليديين، ثم الانتقال إلى الأطراف المدنية، وصولًا إلى القوى التي كانت في حالة مواجهة مباشرة مع المؤسسة العسكرية. ويُفهم من هذا الترتيب أن اللجنة تسعى إلى تجنب الصدام المباشر، وتفضّل التدرج في توسيع دائرة الحوار.
إجراءات تمهيدية
تشير المصادر ذاتها إلى أن النقاشات الجارية حاليًا تتركز حول مجموعة من الإجراءات التمهيدية التي يُراد بها تهيئة المناخ السياسي، من بينها شطب البلاغات المفتوحة ضد عدد من القيادات السياسية، ورفع القيود المفروضة على استخراج الأوراق الثبوتية. هذه الخطوات تهدف إلى تخفيف التوترات القانونية والإدارية التي تعيق مشاركة بعض الأطراف في العملية السياسية، وتُعد بمثابة إشارات أولية على استعداد المؤسسة العسكرية لتقديم تنازلات رمزية من أجل بناء الثقة. كما تعكس هذه الإجراءات رغبة في تجاوز العقبات الإجرائية التي حالت دون انخراط بعض القوى في الحوار خلال الفترات السابقة.
رعاية دولية
وفق المعلومات الأولية، فإن العملية السياسية المرتقبة ستُدار تحت إشراف الرباعية الدولية، التي تضم الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية، مصر، ودولة الإمارات. وتتبنى هذه المبادرة نهجًا تدريجيًا يبدأ بوقف إطلاق النار، ثم الانتقال إلى حوار شامل حول شكل الدولة والدستور، وصولًا إلى ترتيبات انتقالية جديدة. هذا المسار يعكس توافقًا دوليًا على ضرورة إنهاء النزاع عبر تسوية سياسية شاملة، ويضع الأساس لتدخلات دبلوماسية أكثر فاعلية في حال تعثرت المفاوضات. كما يُعطي العملية السياسية غطاءً دوليًا قد يسهم في تقليص الضغوط الداخلية ويمنحها شرعية أوسع.
مخاوف متجددة
رغم الزخم الذي تحمله هذه التحركات، حذّر مراقبون من احتمال إعادة إنتاج الأزمة ذاتها إذا ما تم الاعتماد على نفس الوجوه والآليات التي فشلت سابقًا في تحقيق الاستقرار. هذه التحذيرات تعكس قلقًا من أن تكون العملية السياسية مجرد إعادة تدوير للمشهد القديم دون معالجة جوهرية للأسباب البنيوية التي أدت إلى الانهيار. ويرى بعض المحللين أن نجاح هذه المبادرة يتوقف على مدى قدرتها على إشراك قوى جديدة، وتبني آليات أكثر شفافية وفعالية، بعيدًا عن المحاصصات التقليدية التي أضعفت التجارب الانتقالية السابقة. وفي ظل استمرار النزاع المسلح، تبقى هذه المبادرة اختبارًا حقيقيًا لجدية الأطراف في إنهاء الحرب وبناء مستقبل سياسي مستقر.
Source link


