اخبار السودان

تطورات..طرفي حرب السودان يتفاوضان في واشنطن وسط نفي رسمي وتصعيد ميداني

التغيير: نيروبي _  أمل محمد الحسن

في خطوة جديدة ضمن جهود الوساطة الدولية، كشف مصدر سياسي مطلع لصحيفة “التغيير” عن انعقاد اجتماع لدول الرباعية، التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، يوم الجمعة في العاصمة الأمريكية واشنطن. وأوضح المصدر أن الاجتماع لم يُعقد على مستوى وزراء الخارجية، نظراً لتوافق مسبق بين الدول الأربع على ورقة الهدنة، التي تشكل أساساً للمباحثات الجارية. وبحسب مصادر متطابقة، فإن مفاوضات غير مباشرة بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بدأت يومي الخميس والجمعة، وسط تكتم إعلامي شديد، واقتصرت المشاركة على قيادات عسكرية دون أي تمثيل مدني.

وفد الجيش

أفاد المصدر السياسي، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن الوفد العسكري التابع للجيش السوداني يقوده الفريق الصادق إسماعيل محمود، مبعوث القائد العام عبد الفتاح البرهان، ويضم رئيس جهاز الأمن والمخابرات أحمد إبراهيم مفضل، ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الفريق ركن أحمد علي صبير. في المقابل، لم تُعلن قوات الدعم السريع عن تفاصيل وفدها المشارك، غير أن مصادر رجحت مشاركة العميد عمر حمدان، الذي سبق أن شارك في مفاوضات جدة، وذلك في ظل اقتصار التفاوض على القيادات العسكرية فقط.

نفي رسمي

في الوقت الذي تتواصل فيه المفاوضات في واشنطن، أصدر مجلس السيادة السوداني بياناً ينفي فيه وجود أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع قوات الدعم السريع، وهو ما يتناقض مع ما أكدته مصادر سياسية وإعلامية متعددة. كما أصدرت وزارة الخارجية السودانية بياناً منفصلاً، أشارت فيه إلى زيارة وزير الخارجية محيي الدين سالم إلى واشنطن، موضحة أن الزيارة تأتي في إطار دعم وتعزيز العلاقات الثنائية، دون الإشارة إلى أي صلة بالمفاوضات الجارية.

هدنة مؤقتة

تدور النقاشات حالياً حول إعلان هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، في وقت يستمر فيه القتال العنيف في مدينة الفاشر بين الجيش والقوات المشتركة من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى. وكانت الأخيرة قد أعلنت وصولها إلى منزل والي الولاية، مؤكدة أن المسافة التي تفصلها عن مقر الفرقة السادسة مشاة لا تتجاوز 15 كيلومتراً. كما نشرت صفحات الدعم السريع مقاطع فيديو تظهر استسلام عدد من الجنود التابعين للجيش والقوات المشتركة، بعد خروجهم من مقر الفرقة.

حرب المسيرات

في موازاة المفاوضات، تتواصل حرب الطائرات المسيّرة بين الطرفين، حيث استهدفت قوات الدعم السريع مطار الخرطوم على مدى أربعة أيام متتالية، بينما رد الجيش السوداني بغارات على مطار نيالا وعدد من المواقع الخاضعة لسيطرة الدعم السريع. هذا التصعيد الجوي يعكس تحولاً في طبيعة الاشتباكات، ويزيد من تعقيد المشهد العسكري والسياسي في البلاد، في ظل غياب اتفاق شامل يضع حداً للقتال.

موقف الأمة

الأمين العام لحزب الأمة، الواثق البرير، وصف الهدنة المقترحة بأنها توقف مؤقت للعمليات القتالية، لكنها لا تعالج جذور الصراع أو دوافعه السياسية. وفي حديثه لصحيفة “التغيير”، أشار البرير إلى أن التجارب السابقة أثبتت أن الهدن، في غياب اتفاق سياسي شامل، تتحول إلى إعادة تموضع عسكري يعقبه استئناف أكثر شراسة للقتال. ومع ذلك، شدد على أن الهدنة، من الناحية الإنسانية، لا يمكن رفضها، لأنها تمنح المدنيين فرصة للبقاء على قيد الحياة.

رؤية سياسية

أكد البرير أن الموقف الصحيح من الهدنة يجب أن يُنظر إليه كمدخل لعملية سياسية شاملة تهدف إلى وقف الحرب من جذورها، وإعادة التوازن إلى السودان، وفتح الطريق نحو سلام دائم وعدالة انتقالية. وعدد أولويات المرحلة، بدءاً بإطلاق مسار تفاوض وطني جامع تشارك فيه القوى المدنية والمجتمعية، ويستند إلى الإرادة الشعبية لا إلى توازنات السلاح. كما شدد على ضرورة رفض تحويل الهدنة إلى أداة للتوظيف السياسي أو العسكري، والدعوة إلى هدنة سياسية شاملة تُبنى على اتفاق حول مبادئ الدولة المدنية، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وتحقيق العدالة الانتقالية، إلى جانب دعم أي مبادرة إنسانية تضمن حماية المدنيين وإيصال الإغاثة دون شروط.

خلفية تفاوضية

المفاوضات الحالية في واشنطن ليست الأولى من نوعها، فقد سبق أن التقى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، في سويسرا خلال أغسطس الماضي. كما أصدرت وزارات خارجية دول الرباعية بياناً مشتركاً في 12 سبتمبر، رسم خارطة طريق تبدأ بهدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار، ثم عملية انتقالية شاملة تنتهي خلال تسعة أشهر.

دعم خارجي

العميد عادل عبد الكافي، المستشار العسكري السابق للقائد الأعلى للجيش الليبي، ومستشار لجنة الدفاع والأمن القومي للمجلس الأعلى للدولة، أشار إلى وجود إرادة أمريكية حقيقية لإنهاء الصراع في السودان، عبر استخدام العقوبات ضد الأطراف التي تؤجج النزاع. لكنه أعرب عن أسفه لعدم توجيه واشنطن إنذاراً لمعسكر الرجمة، رغم علمها بتدفق الدعم العسكري واللوجستي لقوات الدعم السريع من الأراضي الليبية، بما في ذلك السلاح والمقاتلين والوقود وحتى العلاج. وأوضح أن قوات “أفريكوم” ترصد الأجواء وترسم الخرائط الأمنية، وتمتلك معلومات استخباراتية دقيقة عن حجم الدعم الذي يتلقاه قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” من الفيلق الروسي، دون أن تتدخل لوقفه.

أطراف إقليمية

اتهم عبد الكافي قوى إقليمية، لم يسمها، بإشعال الصراع داخل الأراضي السودانية، مشيراً إلى أنها تسعى لتفتيت السودان وعدد من الدول الإفريقية في مناطق الساحل والصحراء والقرن الإفريقي. ووصف الهدنة بأنها مرحلة لإعادة ترتيب الصفوف بين الطرفين، اللذين يسعيان للإطاحة ببعضهما البعض، مشيراً إلى أن الجيش السوداني حقق تقدماً ميدانياً بعد تلقيه إمدادات عسكرية، واستعاد السيطرة على عدد من المناطق التي كانت خاضعة لقوات الدعم السريع.

موقف الإسلاميين

منذ تسرب المعلومات حول وجود مفاوضات في واشنطن، بدأت حسابات محسوبة على التيار الإسلامي بنفي الخبر ورفضه. وزير الإعلام الأسبق في حكومة الثورة، فيصل محمد صالح، أكد أن موقف الإسلاميين المعلن هو رفض التفاوض، وأنهم يراهنون على استمرار الحرب حتى القضاء على الدعم السريع. وأوضح أن الخلافات بين الكتلة السياسية للإسلاميين وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان حول مسألة التفاوض قد تصل إلى مرحلة “فك الارتباط” بشكل ما.

الكتائب الإسلامية

فيما يتعلق بالكتائب الإسلامية المشاركة في القتال إلى جانب الجيش، أشار صالح إلى أن موقفها قد يختلف عن الموقف السياسي للتيار الإسلامي، مرجحاً أن تكون قد تعرضت لاختراق من قبل الاستخبارات العسكرية. وأضاف أن أي قرار بالانسحاب من المعركة لن يكون موحداً بين جميع القوات المقاتلة، بل سيكون جزئياً وتأثيره محدوداً نسبياً.

خطاب حميدتي

من جانب قوات الدعم السريع، يسود تعتيم إعلامي حول هوية الوفد المشارك في مفاوضات واشنطن، غير أن مصادر رجحت مشاركة العميد عمر حمدان. وفي 21 أكتوبر، نشرت صفحات الدعم السريع تسجيلاً صوتياً لقائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وصفه مراقبون بأنه خطاب تصعيدي تضمن تهديدات لدولة مجاورة، دون أي إشارة إلى المفاوضات. وزير الإعلام الأسبق فيصل محمد صالح اعتبر أن لغة حميدتي الغاضبة ربما تعكس تلقيه معلومات عن حصول الجيش على مساعدات عسكرية كبيرة، مرجحاً أن تكون قواته قد تعرضت لضربة مؤثرة.

ورغم نبرة التصعيد، أكد صالح أن خطاب حميدتي لن يؤثر على موقف الدعم السريع التفاوضي، مشيراً إلى أن القوات حققت نجاحات ميدانية ضمن حدود تعتبرها مرضية، ما يجعل موقفها من التفاوض إيجابياً، حتى في حال الاتفاق على هدنة أو وقف لإطلاق النار.


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى