
تطورت “ملاعب القُرْب” لكرة القدم بشكل كبير في المغرب خلال الـ 20 سنة الماضية وانتشرت في جميع أحياء المدن تقريبا، بحيث يقدر عددها بحوالي 2500 حاليا. وهي جزء من استراتيجية حكومية من بين ركائزهاأكاديمية محمد السادس، مما سمح لكرة القدم المغربية بتحقيق منجزات وألقاب متتالية قارية وعالمية. ويتعلق الأمر بملاعب صغيرة ذات عشب اصطناعي في الغالب تشرف عليها رسميا وزارة الشباب والرياضة، وكثيرا ما تقوم بتدبيرها اليومي جمعيات الأحياء. وقد خصصت لها ميزانية سنوية تقدر ب 50 مليون دولار خلال العام 2024 حسب الأرقام الرسمية.
قادمون من أحياء الهامش
في حديث لـDW عربية، يستعيد إسماعيل باقشيش (31 عامًا)، حارس مرمى فريق سطاد المغربي، بداياته قائلاً: “نشأت في أحد أحياء الرباط الشعبية، وبدأت اللعب في سن التاسعة داخل ملاعب تفتقر لأبسط البنيات الأساسية. كانت الأرضية مليئة بالحجارة، ولم نكن نملك أحذية رياضية مناسبة، قبل أن تظهر ملاعب القُرْب الحالية وتغيّر المشهد.”
تدرّج إسماعيل عبر فرق الهواة حتى وصل إلى سطاد المغربي، الذي ينافس في القسم الوطني الثاني الاحترافي ويحتل مراتب متقدمة. ويضيف: “تعلمت في ملاعب الأحياء الصبر في التدريبات، الاستمرارية، والحفاظ على المعنويات المرتفعة. ساعدني كثيرًا مدربون مثل لحسن فري، الذي منحني الثقة لتطوير أسلوبي مع فرق مثل يعقوب المنصور، وأنا في سن 17 عاما”.
حاليا، يرتبط إسماعيل بعقد لمدة أربع سنوات مع فريق سطاد المغربي سينتهي هذا الموسم. ويطمح إلى تطوير مشواره ومستواه ويقول: “أتمنى اللعب مع فرق في القسم الأول. لدي عروض من فرق أخرى، لكنني أفضل انتظار نهاية هذا الموسم، والتركيز مع فريقي الحالي قبل اتخاذ أي قرار”.
أكاديمية ألمانية-مغربية في الرباط
أما قاسم لون (64 سنة)، فترعرع أيضا في أحياء الهامش بالرباط. لعب مع بعض فرق المدينة مثل اتحاد تواركة واليوسفية الرباطية. حصل على دبلوم أستاذ مدرب، ثم هاجر إلى ألمانيا ليؤسس في 2017 أكاديمية “لون” لكرة القدم التي تضم حوالي 150 منخرطاً بنواحي مدينة فرانكفورت. وهي أكاديمية تقوم بتأطير وتعزيز قدرات الأطفال والشباب ابتداء من سن الخامسة. واستطاعت تزويد عدد من الفرق الكبرى بمواهب شابة مثل فريق “أينتراخت فرانكفورت” و”هوفنهايم”، بحسب ما قال لـDW.
بعد نجاح مشروعه في ألمانيا، قرر تأسيس فرع في المغرب في صيف 2025 يضم حاليا حوالي 20 شابا يتدربون في “ملاعب القُرْب” الموجودة في وسط الرباط مقابل أثمنة رمزية بالنسبة لبعض الشبان من ذوي الدخل المادي المحدود. ويقول قاسم لون في حديثه مع DW عربية: “نعتمد في هذا الفرع بالمغرب على منهجية مخضرمة: نهج وتنظيم ألماني مع عقلية وتقنيات مغربية. ونشتغل بناء على أهداف تربوية وتقنية. فعوض البحث عن الطاقات المغربية في أوروبا، جئنا لنبحث عنهم في المغرب، حيث نوفر لهم راحة نفسية وبيئة مناسبة بالقرب من العائلة والأصدقاء”.
ويؤكد قاسم لون أن هناك إقبالا على المشروع “وقد لاحظنا تحسنا في ظرف شهرين في مستوى الأطفال”، الذين بدأ بعضهم يشاركون في تكوينات قصيرة في ألمانيا.
وتخطط الأكاديمية لتنظيم دورات تكوينية منتظمة للأطفال في نوادٍ ألمانية معروفة مثل دورتموند، ولزيارة مؤطرين ألمان إلى المغرب في المستقبل.
نجوم انطلقوا من ملاعب القُرْب
من بين نماذج القصص الناجحة للاعبين الذين انطلقوا من “ملاعب القُرْب” في الرباط وكان لهم مسار متميز، يمكن أن نذكر يوسف بلعمري لاعب المنتخب المغربي المشارك حاليا في كأس أفريقيا.
إضافة إلى العربي الناجي، لاعب النادي المكناسي، الذي فاز بكأس الكونفدرالية مع فريق نهضة بركان. وسبق لقاسم لون أن درب العربي الناجي عندما كان في فريق اتحاد تواركة.
إقبال متزايد وحلم وطني
ويرى يونس خراشيي الصحفي المتخصص في الشأن الرياضي “أن العالم كله شاهد بالعين المجردة والافتراضية، عبر منصات السوشيال ميديا، كيف تفاعل الشباب المغربي، من طنجة إلى الكويرة، مع إنجازات المنتخب الوطني، سواء تعلق الأمر بمونديال قطر أو مونديال الشيلي“.
ويضيف خراشيي أن “ما لا ينتبه إليه الناس كثيرا هو الإقبال المتزايد على أكاديميات كرة القدم، والأندية الوطنية، وملاعب القُرْب في كل الأحياء، حيث يتزايد الإقبال بوضوح، فضلا عن ارتفاع منسوب الشعور بالوطنية، وارتداء لباس القميص الوطني، وكلها عناصر توضح التفاعل الكبير مع الإنجازات، التي تتحقق بفضل الكرة المغربية والرياضة”.
ساهمت أكاديمية محمد السادس لكرة القدم التي رأت النور في 2009 بدور أساسي في هذه النهضة الكروية. ويشير موقع الجزيرة الإخباري إلى أن 26 من خريجي هذه المؤسسة يلعبون حاليا في البطولة المغربية، وحوالي 30 في الدوريات الأوربية. ومن بين الخريجين الذين استطاعوا التألق خلال السنوات الأخيرة، ياسين الزابيري، الذي فاز في أكتوبر/ تشرين الأول بكأس العالم لأقل من 20 سنة، إلى جانب مهاجم منتخب الكبار يوسف النصيري، الذي ساهم بشكل كبير في بلوغ المغرب نصف نهائي كاس العالم في 2022 في قطر، ويتألق حاليا مع أسود الأطلس في كأس أفريقيا بالمغرب.
تحرير: صلاح شرارة
Source link



