
لم يمضِ عام كامل على تولي دونالد ترامب منصب رئيس الولايات المتحدة ، لكنه نجح بالفعل في قلب البلاد رأسا على عقب. تعيد الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي التي نشرتها حكومته في نوفمبر/ تشرين الثاني تعريف أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.
وقد اضطر شركاء الولايات المتحدة منذ عقود مثل أوروبا إلى إدراك أن دعم الولايات المتحدة ليس أمرا مفروغا منه، بل لا يُقدم إلا عندما يرى رجل الأعمال ترامب أن هناك صفقة جيدة لبلده. “أمريكا أولا” أو كما كان شعار حملة ترامب الانتخابية الأولى في عام 2016 “اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى” (MAGA).
كما تغيرت الكثير من الأمور في السياسة الداخلية منذ تنصيب ترامب في 20 يناير/ كانون الثاني 2025. يقوم عملاء مكتب الهجرة والجمارك الملثمون بسحب الناس من سياراتهم أو اعتقالهم من الشوارع. وفي المدن التي يحتج فيها الكثير من الناس على ذلك، يرسل ترامب الحرس الوطني، ويقاضي وسائل الإعلام التي لا تنقل الأخبار بالطريقة التي ترضيه أو يفضحها على الإنترنت. تم إلغاء تدابير دمج الموظفين ذوي الإعاقة أو تعزيز التنوع في الشركات (ما يُعرف ببرامج DEI) في جميع المؤسسات الحكومية.
إذ يُعتبر التنوع ليبراليا أو “واعيا” وهذه القيم هي بمثابة قطعة قماش حمراء بالنسبة للرئيس الأمريكي ومؤيديه. MAGA ليست مجرد شعار، إنها رؤية للعالم. ومع ذلك فإن حركة MAGA ليست كيانا واحدا موحدا. فلكل تيار من التيارات اهتمامات مختلفة ذات أهمية حاسمة. قد يكون ترامب هو زعيم الحركة بصفته رئيسا للولايات المتحدة، ولكن وراء أيديولوجية MAGA تقف مجموعة كبيرة من الجماعات والأشخاص الأقوياء الذين يناضلون من أجل قضاياهم ومصالحهم.
مؤسسة هيريتيج ومشروع 2025
مؤسسة هيريتيج وهي مؤسسة فكرية يمينية وطنية مقرها في واشنطن العاصمة تكرس نفسها، حسبما تقول لتعزيز “السياسات المحافظة القائمة على اقتصاد السوق الحر والحد الأدنى لتدخل الدولة والحرية الفردية والقيم الأمريكية التقليدية والدفاع الوطني القوي”. وهي التي أطلقت “مشروع 2025” وهو خطة نُشرت في عام 2023 حول كيفية قيام رئيس أمريكي محافظ بإعادة تشكيل الحكومة.
يتضمن “مشروع 2025” من بين أمور أخرى تقليصا كبيرا للحكومة بحيث يسهل فصل الموظفين، ويتمتع الرئيس بسلطة شخصية أكبر. على الرغم من أن ترامب أكد خلال حملته الانتخابية أن لا علاقة له بالمشروع، إلا أنه نفذ العديد من الأفكار بعد توليه منصبه. ففي إطار مبادرة DOGE التي تهدف إلى زيادة كفاءة الحكومة الأمريكية تم فصل آلاف الموظفين الحكوميين. كما يسعى ترامب إلى توسيع سلطته، فهو يتجاهل ببساطة الأحكام القضائية مثل تلك المتعلقة بالترحيل. كما يود أن يفرض حقه في فصل رؤساء الوكالات الحكومية الذين لا يعجبونه.
أعضاء في إدارة ترامب مثل المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت وروس فاوت، مدير مكتب الإدارة والميزانية عملوا سابقا في مؤسسة هيريتيج. كان فاوت أحد المخططين البارزين لـ “مشروع 2025”. كما تبرعت مؤسسة هيريتيج بمليون دولار للمؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذي تم فيه تأكيد ترشيح ترامب للرئاسة رسميا والاحتفال به في صيف 2024.
المسيحيون الإنجيليون مؤيدون مخلصون
ينص “مشروع 2025” أيضا على ضرورة تقييد حق الإجهاض بشكل أكبر. ومن بين المجموعات التي تولي أهمية أكبر لهذا الموضوع المسيحيون الإنجيليون، فهم من بين أكثر مؤيدي ترامب ولاءً منذ سنوات. ولم يزعجهم تصريح ترامب علنا بأنه يحب التحرش بالنساء في أعضائهن الحميمة وأنه أنجب خمسة أطفال من ثلاث نساء. فما يهمهم هو أن ترامب يدفع قدما بما يؤمنون به.
في خريف عام 2020 قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية رشح ترامب قاضية للمحكمة العليا معروفة بمعارضتها للإجهاض. في يونيو/ حزيران 2022 ألغت المحكمة العليا بأغلبية المحافظين المكونة من ستة قضاة من بينهم ثلاثة عينهم ترامب الحق في الإجهاض على مستوى البلاد. ومنذ ذلك الحين تقرر كل ولاية بنفسها ما إذا كان الإجهاض مسموحا به وفي أي ظروف.
ويشكل المسيحيون الإنجيليون لوبيا قويا في الولايات المتحدة، وتصوت الغالبية العظمى منهم لصالح الحزب الجمهوري. لذلك لا يريد ترامب أن يغضبهم في قضايا مثل الإجهاض.
خطوة أخرى قد تكون ناتجة عن تأثير الإنجيليين: تعيين وزير الدفاع، بيت هيغسيث. هذا المسيحي الإنجيلي وصف نفسه في الماضي بـ”المحارب المسيحي” واستبعد المتحولين جنسيا من الجيش وأشاد، حسب تقارير إعلامية بتصريحات قس معارض لحق المرأة في التصويت. يرى النقاد أن النفوذ المتزايد للإنجيليين على الحكومة الأمريكية يهدد الفصل بين الدولة والكنيسة.
المليارديرات والمدونون ملهمون
من بين أولئك الذين يبدو أنهم يلهمون العديد من أفكار ترامب المدون ومطور البرمجيات كورتيس يارفين. فهو يرى أن مفهوم الديمقراطية عفا عليه الزمن، وبدلا من ذلك يجب أن تدار الدولة كشركة من قبل رئيس تنفيذي. لن يكون هناك ناخبون بعد ذلك، بل عملاء لهم حق الفسخ. فمن لا يعجبه رئيسه، أي الحكومة يمكنه الانتقال إلى مكان آخر. حتى ترامب كان يمزح قبل انتخابات 2024 قائلا: إن الناس إذا صوتوا له هذه المرة، فلن يكون عليهم التصويت بعد ذلك.
فكرة تحويل قطاع غزة إلى جنة لقضاء العطلات، جاءت أيضا من يارفين. في أبريل/ نيسان 2024 اقترح طرد الشعب الفلسطيني من غزة وتحويل المنطقة إلى منتجع فاخر. وفي فبراير/ شباط 2025 سار ترامب على نفس النهج بفكرته لتحويل غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط.
كما يعتبر بيتر ثيل، مؤسس منصة PayPal الإلكترونية أن الديمقراطية غير فعالة، وقد تبرع الملياردير المولود في ألمانيا بمبلغ 1,25 مليون دولار لدونالد ترامب خلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 2016. وفي عام 2024 لم يتبرع لأي حملة سياسية. لكنه أنفق الكثير من المال في السنوات السابقة على سبيل المثال 15 مليون دولار لحملة جي دي فانس، ونجاحه في مجلس الشيوخ أدى في النهاية إلى حصوله على منصب نائب الرئيس. بالنسبة لثيل كان هذا استثمارا ذكيا طويل الأجل.
تتجلى أفكار ومُثُل ثيل في سياسة الحكومة الأمريكية أيضا، مثل تلك التي تقول إن السياسة يجب أن تطلق العنان للشركات الكبرى وشركات التكنولوجيا. وقد اشتكى فانس مؤخرا من قانون الاتحاد الأوروبي بشأن الخدمات الرقمية الذي يُهدد موقع التواصل الاجتماعي X (تويتر سابقا) بغرامة مالية تصل إلى ملايين اليوروهات.
أعده للعربية: م.أ.م
Source link



